فصل: التّعويض بسبب التّحريض

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الموسوعة الفقهية الكويتية ****


تعويض

التّعريف

1 - أصل التّعويض لغة‏:‏ العوض، وهو البدل تقول‏:‏ عوّضته تعويضا إذا أعطيته بدل ما ذهب منه‏.‏ وتعوّض منه واعتاض‏:‏ أخذ العوض ويفهم من عبارات الفقهاء أنّ التّعويض اصطلاحاً هو‏:‏ دفع ما وجب من بدل ماليّ بسبب إلحاق ضرر بالغير‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - التّثمين‏:‏

2 - التّثمين لغة‏:‏ هو أن تجعل للشّيء ثمنا بالحدس والتّخمين وعلى هذا التّعريف لا يكون التّثمين إلا في المعاوضات - المبادلات بعوض - أمّا التّعويضات - التّصرّفات المقتضية للضّمان، كالإتلاف والغصب - فلا يدخل فيها التّثمين، بل يدخل فيها التّقويم كما سيأتي‏.‏ ب - التّقويم‏:‏

3 - التّقويم لغة‏:‏ مصدر قوّم، تقول‏:‏ قوّمت المتاع‏:‏ إذا جعلت له قيمة معلومة، وفي الحديث‏:‏ «قالوا‏:‏ يا رسول اللّه لو قوّمت لنا، فقال‏:‏ إنّ اللّه هو المقوّم» وأهل مكّة يقولون‏:‏ استقمته بمعنى قوّمته‏.‏ والتّقويم يستعمل في المعاوضات والتّعويضات‏.‏

ج - الأرش‏:‏

4 - أرش الجراحة لغة‏:‏ ديتها‏.‏ والجمع أروش، مثل‏:‏ فلس وفلوس‏.‏ وأصله‏:‏ الفساد‏.‏ يقال‏:‏ أرّشت بين القوم تأريشا‏:‏ إذا أفسدت ثمّ استعمل في نقصان الأعيان لأنّه فساد فيها‏.‏ ويقال‏:‏ أصله هرش‏.‏ واصطلاحاً‏:‏ هو المال الواجب في الجناية على ما دون النّفس، وقد يطلق على بدل النّفس وهو الدّية وعلى هذا يكون التّعويض أعمّ من الأرش‏.‏

د - الضّمان‏:‏

5 - الضّمان لغة‏:‏ الالتزام‏.‏ يقال‏:‏ ضمّنته المال‏:‏ ألزمه إيّاه‏.‏

وشرعاً‏:‏ التزام حقّ ثابت في ذمّة الغير، أو إحضار من هو عليه، أو التزام عين مضمونة، ويقال للعقد الّذي يحصل به ذلك فالضّمان على هذا أعمّ من التّعويض، لأنّه يكون في الأموال، ويكون في غير الأموال كما في كفالة الشّخص‏.‏

حكم التّعويض

6 - التّعويض لا يكون إلّا مقابل ضرر، ومن ثمّ فهو واجب الأداء، على خلاف وتفصيل بين الفقهاء فيما يعوّض عنه وما لا يعوّض عنه‏.‏

والضّرر المعوّض عنه عند الفقهاء يشمل الضّرر الواقع على المال بما فيه المنفعة، سواء كان عن طريق الغصب، أم الإتلاف، أم الاعتداء على النّفس وما دونها، وهي الدّية والأرش وتفصيله في ‏(‏الجنايات‏)‏ أم عن طريق التّفريط في الأمانة وغير ذلك‏.‏

ويكون التّعويض بدفع مال مقدّر أو مصالح عليه يدفع لمن وقع عليه الضّرر، أو لمن تنتقل إليه التّركة بدلاً لما فقد وقطعا للخصومة والنّزاع بين النّاس‏.‏

ثمّ إنّ التّعويض أثر شرعيّ لأنّه موجب خطاب الوضع، فيشمل المكلّف وغيره‏.‏

وغير المكلّف يجب التّعويض في ماله، يدفعه وليّه عنه‏.‏

التّعويض عن الضّرر

7 - يتحقّق الضّرر بإتلاف العين أو المنفعة أو النّفس أو ما دونها‏.‏

والتّعويض ليس ملازما للإتلاف، بحيث كلّما وجد الإتلاف وجد التّعويض‏.‏

وذلك لأنّ الإتلاف ينقسم إلى‏:‏ إتلاف مشروع، وإلى إتلاف غير مشروع‏.‏

أمّا الإتلاف غير المشروع فيترتّب عليه التّعويض بلا خلاف، سواء أكان حقّا للّه، كالصّيد حالة الإحرام أو في الحرم، أم حقّا للعبد كإتلاف أمواله بغير حقّ‏.‏

وأمّا الإتلاف المشروع فيترتّب عليه التّعويض، إن ترتّب عليه حقّ للغير في بعض الصّور، وإلا فلا‏.‏ على تفصيل وخلاف سبق في مصطلح ‏(‏إتلاف‏)‏‏.‏

التّعويض بتفويت العين

8 - تقدّم في مصطلح ‏(‏إتلاف‏)‏ أنّ العين المتلفة إن كانت مثليّة يضمن المتلف مثلها، وإن كانت قيميّة يضمن قيمتها، ويراعى في تقدير القيمة مكان الإتلاف‏.‏

التّعويض عن تفويت المنفعة

9 - ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ منافع الأموال مضمونة بالتّفويت بأجرة المثل مدّة مقامها في يد الغاصب أو غيره، لأنّ كلّ ما ضمن بالإتلاف جاز أن يضمن بمجرّد التّلف في يده كالأعيان، على خلاف وتفصيل يذكره الفقهاء في مصطلح ‏(‏غصب، وضمان‏)‏‏.‏

ومن المنافع الّتي نصّوا على ضمانها تفويت منفعة الحرّ، فإنّ من قهر حرّا وسخّره في عمل ضمن أجرته‏.‏ وأمّا لو حبسه وعطّل منافعه فإنّه ضامن عند المالكيّة والحنابلة، وغير ضامن عند الشّافعيّة في الأصحّ عندهم‏.‏

وأمّا منافع المغصوب، فقد اختلف الفقهاء في ضمانها‏:‏ فذهب الشّافعيّة والحنابلة‏:‏ إلى ضمان منافع المغصوب، وعليه أجر المثل - تعويضا - عمّا فاته، سواء استوفى الغاصب المنافع أم لا‏.‏ لأنّ المنفعة مال متقوّم‏.‏ وقال المالكيّة - في المشهور -‏:‏ يضمن الغاصب غلّة مغصوب مستعمل دون غير المستعمل، ويضمن غلّة ما عطّل من دار أغلقها، وأرض بوّرها، ودابّة حبسها‏.‏ وللتّفصيل انظر ‏(‏غصب، وضمان‏)‏‏.‏

وقال الحنفيّة‏:‏ إنّ منافع المغصوب غير مضمونة، لأنّها ليست مالا عندهم، عدا ثلاثة مواضع يجب فيها أجر المثل على اختيار بعض المتأخّرين، وهي‏:‏

أ - الوقف‏:‏

10 - إذا كان الوقف للسّكنى أو للاستغلال أو كان مسجداً، فإنّ من تعدّى عليه - أي كمن جعل المسجد بيتاً - يلزمه أجرة مثله مدّة شغله، كما قاله ابن عابدين نقلا عن الخيريّة والحامديّة‏.‏

ب - مال اليتيم‏:‏

11 - قال ابن عابدين‏:‏ وكذا اليتيم نفسه - لما في البزّازيّة - يتيم لا أب له ولا أمّ، استعمله أقرباؤه مدّة في أعمال شتّى بلا إذن الحاكم وبلا إجارة، له طلب أجر المثل بعد البلوغ إن كان ما يعطونه من الكسوة والكفاية لا يساوي أجر المثل‏.‏

وأمّا مال اليتيم، فإنّ تفويت منفعته يوجب التّعويض أيضاً، وذلك كما إذا سكنت أمّ اليتيم مع زوجها في بيت له، فتجب الأجرة على الزّوج‏.‏

وكذا إذا سكن الدّار شريك اليتيم، فتجب الأجرة على الشّريك أيضا، على ما أفتى به ابن نجيم في الصّورتين‏.‏ وكذا ساكن الدّار إذا كان أجنبيّاً من غير عقد،فيجب عليه أجر المثل‏.‏ وذهب بعض الحنفيّة إلى التّفصيل‏.‏

ج - المعدّ للاستغلال‏:‏

12 - من بنى بيتاً أو اشتراه لأجل الاستغلال، فإنّ على من يستغلّه - من غير إذن صاحبه - أجر المثل بشرط علم المستعمل بكونه معدّاً لذلك، وبشرط أن لا يكون المستعمل مشهوراً بالغصب‏.‏ وأمّا لو سكن في المعدّ للاستغلال بتأويل ملك أو عقد فلا ضمان عليه‏.‏

التّعويض بسبب التّعدّي والتّفريط في العقود

أ - التّعويض في عقود الأمانات‏:‏

13 - عقود الأمانات كالوديعة والوكالة، الأصل فيها‏:‏ أنّ محلّ العقد لا يضمنه من هو بيده إلّا بالتّفريط أو بالتّعدّي‏.‏

ويرجع في تفصيل ذلك إلى مصطلحاتها، وانظر ‏(‏تعدّي، وضمان‏)‏‏.‏

ب - التّعويض عن العيب في المبيع‏:‏

14 - إذا ظهر في المبيع عيب كان قبل البيع فيخيّر المشتري بين ردّه للبائع أو أخذ أرش النّقص‏.‏ وتفصيله في مصطلح ‏(‏بيع‏)‏ وفي ‏(‏خيار العيب‏)‏‏.‏

ج - التّعويض في الإجارة‏:‏

15 - الأجير نوعان‏.‏ إمّا خاصّ وإمّا مشترك‏.‏

أمّا الخاصّ، فقد اتّفق الفقهاء على أنّه لا يكون ضامناً إلا بالتّعدّي‏.‏

واختلفوا في المشترك‏.‏ وتفصيله في مصطلح‏:‏ ‏(‏إجارة، إتلاف‏)‏‏.‏

التّعويض بسبب التّحريض

16 - ذهب الجمهور إلى أنّ من أغرى ظالما على مال، فإنّ الضّمان على المغري - الظّالم -‏.‏ لقاعدة‏:‏ ‏"‏ يضاف الفعل إلى الفاعل - لا الآمر - ما لم يكن مجبراً ‏"‏

وقال المالكيّة‏:‏ لا يتبع المغري إلّا بعد تعذّر الرّجوع على المغري، وذلك لأنّ المباشر يقدّم على المتسيّب‏.‏ وقال النّوويّ‏:‏ لو فتح باب الحرز فسرق غيره، أو دلّ سارقاً فسرق، أو أمر غاصبا فغصب، أو بنى داراً فألقت الرّيح فيها ثوباً وضاع، فلا ضمان عليه‏.‏

وذهب الحنابلة إلى أنّ من أغرى ظالماً بأخذ مال إنسان أو دلّه عليه، فلصاحب المال تضمين المغري لتسبّبه أو الظّالم لظلمه‏.‏

التّعويض بسبب الإكراه

17 - تقدّم في مصطلحي ‏(‏إكراه وإتلاف‏)‏ اختلاف الفقهاء في التّعويض بسبب الإكراه، هل يكون على المكرِه - بكسر الرّاء - فقط، أو يكون على المكرَه - بفتح الرّاء - أيضاً لمباشرته للإتلاف‏؟‏ انظر ‏(‏إكراه، إتلاف‏)‏‏.‏

التّعويض بالمباشرة أو بالتّسبّب

18 - إذا أتلف شخص لآخر شيئاً أو غصبه منه فهلك أو فقد، وكذا إذا ألحق بغيره ضرراً بجناية في النّفس وما دونها، أو تسبّب في شيء من ذلك، فيجب عليه ضمان ما أتلفه بمباشرته أو تسبّبه‏.‏

وقد سبق ذلك في مصطلح ‏(‏إتلاف‏)‏ وانظر مصطلح ‏(‏جناية، ضمان، غصب‏)‏‏.‏

تعويض ما تتلفه الدّوابّ

تقدّم اختلاف الفقهاء في ضمان ما تتلفه الدّوابّ من الزّروع‏.‏ واتّفق الفقهاء على ضمان ما تتلفه الدّوابّ من غير الزّرع إذا كان معها من له يد عليها ولم يمنعها، أو راع فيه كفاية الحفظ‏.‏ واختلفوا فيما إذا لم يكن لها راع‏.‏ وتفصيل ذلك في مصطلح ‏(‏إتلاف‏)‏‏.‏

ما يشترط لتعويض المتلفات

19 - اشترط الفقهاء لضمان المتلفات أن يكون المتلف مالاً متقوّماً، وأن يكون المتلف من أهل الضّمان‏.‏ وتفصيل ذلك في مصطلح ‏(‏إتلاف‏)‏‏.‏

ما يكون به التّعويض

20 - إذا كان الإتلاف في الأعيان كلّيّا فتعويضه بمثله إن كان مثليّاً، أو بقيمته إن كان قيميّا، وتفصيل ذلك في مصطلح ‏(‏إتلاف ف 36‏)‏ أمّا إذا كان الإتلاف جزئيّاً، ففيه أرش النّقص، ويرجع في تقديره إلى أهل الخبرة‏.‏ انظر مصطلح ‏(‏أرش‏)‏‏.‏

أمّا إتلاف النّفس فقد أوجب الشّارع فيه الدّية في الحالات الّتي لا يطلب فيها القصاص والدّية تكون من الإبل، أو البقر، أو الغنم، أو الذّهب، أو الحلل على خلاف بين الفقهاء في بعضها‏.‏ وفي إتلاف العضو أو منفعته الدّية إن كانت له دية مقدّرة، وإلا فحكومة عدل كما تجب كلّما سقط القصاص، وفي الجناية خطأ على النّفس أو ما دونها‏.‏

ويرجع في تفصيل ذلك كلّه في مصطلحات ‏(‏أرش، دية، حكومة عدل‏)‏‏.‏

التّعويض عن الأضرار المعنويّة

21 - لم نجد أحداً من الفقهاء عبّر بهذا، وإنّما هو تعبير حادث‏.‏ ولم نجد في الكتب الفقهيّة أنّ أحداً من الفقهاء تكلّم عن التّعويض الماليّ في شيء من الأضرار المعنويّة‏.‏

تعيّب

انظر‏:‏ خيار العيب‏.‏

تعيّن

انظر‏:‏ تعيين‏.‏

تعيين

التّعريف

1 - التّعيين‏:‏ مصدر عيّن‏.‏ تقول‏:‏ عيّنت الشّيء تعييناً‏:‏ إذا خصّصته من بين أمثاله‏.‏ وتعيّن عليه الشّيء‏:‏ إذا لزمه بعينه قال الجوهريّ‏:‏ تعيين الشّيء تخصيصه من الجملة‏.‏ وعيّنت النّيّة في الصّوم إذا نويت صوما معيّناً‏.‏

والتّعيين في الاصطلاح‏:‏ جعل الشّيء متميّزاً عن غيره، بحيث لا يشاركه سواه‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - الإبهام‏:‏

2 - الإبهام مصدر أبهم الخبر إذا لم يتبيّنه‏.‏ وطريق مبهم إذا كان خفيّا لا يستبين وكلام مبهم لا يعرف له وجه يؤتى منه‏.‏ وباب مبهم مغلق لا يهتدى لفتحه، فهو ضدّ التّعيين‏.‏

ب - التّخيير‏:‏

3 - التّخيير‏:‏ مصدر خيّرته بين الشّيئين أي فوّضت إليه الاختيار‏.‏

والتّخيّر الاصطفاء، وهو طلب خير الأمرين وفي الحديث‏:‏ «تَخيَّرُوا لِنُطَفِكُم»‏.‏

ج - التّخصيص‏:‏

4 - التّخصيص قصر العامّ على بعض أفراده‏.‏

الحكم التّكليفي

أوّلا‏:‏ التّعيين عند الأصوليّين‏:‏

5 - ترد كلمة التّعيين عند الأصوليّين والفقهاء في مقابلة التّخيير، وذلك في باب الأحكام الشّرعيّة‏.‏ قالوا‏:‏ الواجب ينقسم إلى معيّن كصلاة الظّهر مثلاً، وإلى مبهم بين أقسام محصورة كخصال كفّارة اليمين، فإنّ الحالف يخيّر عند حنثه بين ثلاثة أشياء، إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم، أو تحرير رقبة‏.‏

وأنكرت المعتزلة الواجب المخيّر، وقالوا‏:‏ لا معنى للإيجاب مع التّخيير‏.‏

وينظر تفصيل القول في ذلك في الملحق الأصوليّ‏.‏ وفي بحث ‏(‏تخيير‏)‏‏.‏

ثانياً‏:‏ التّعيين عند الفقهاء‏:‏

6 - تعرّض الفقهاء لحكم التّعيين في مواضع منها‏:‏

أ - في الصّلاة‏:‏

7 - ذهب الفقهاء إلى أنّه يجب على المصلّي أن يعيّن في نيّته الصّلاة الّتي يصلّيها، لتمتاز عن سائر الصّلوات‏.‏ وذلك إذا كانت الصّلاة فرضاً اتّفاقاً، فيجب عليه نيّة الصّلاة بعينها ظهرا أو عصرا أو مغربا أو غيرها‏.‏ أمّا السّنن ذوات الوقت أو السّبب، ففي وجوب تعيينها في النّيّة خلاف وتفصيل ينظر في مصطلح‏:‏ ‏(‏نيّة، صلاة‏)‏‏.‏

8 - واتّفق الفقهاء على أنّ المأموم يجب عليه أن ينوي الاقتداء بالإمام، وليس عليه أن يعيّن الإمام‏.‏ وذهب الحنفيّة إلى أنّه إذا عيّنه وأخطأ في تعيينه بطلت صلاته‏.‏

وليس على الإمام أن يعيّن المأموم، فإذا عيّنه وأخطأ في تعيينه فلا تبطل صلاته‏.‏

ب - في الصّوم‏:‏

9 - ذهب جمهور العلماء إلى وجوب تعيين النّيّة في كلّ صوم واجب، من رمضان أو قضاء أو كفّارة أو نذر‏.‏ وذلك بأن ينوي أنّه صائم غداً عن رمضان مثلاً، لأنّه عبادة مضافة إلى وقت، فوجب التّعيين في نيّتها‏.‏

وذهب الحنفيّة، وهو رواية عن أحمد إلى أنّه يكفي مطلق النّيّة في رمضان كالنّفل، لأنّ الحاجة إلى التّعيين عند المزاحمة، ولا مزاحمة، لأنّ الوقت لا يحتمل إلا صوماً واحداً، فلا حاجة إلى التّميّز بتعيين النّيّة‏.‏ أمّا صيام القضاء والنّذر والكفّارة فقول الحنفيّة في تعيين النّيّة فيه كقول الجمهور في وجوب التّعيين‏.‏

ج - في البيع‏:‏

10 - ذهب الفقهاء إلى أنّه لو باع بنقد - وفي البلد نقد واحد أو نقدان فأكثر، ولكنّ أحدها غالب - تعيّن الواحد أو الغالب‏.‏ وإن كان في البلد نقدان فأكثر، ولم يغلب أحدها، اشترط التّعيين لفظا، لاختلاف الواجب باختلاف النّقود، ولا يكفي التّعلّم بالنّيّة‏.‏

أمّا إذا اتّفقت النّقود بأن لا تتفاوت في القيمة ولا غلبة، فإنّ العقد يصحّ بها من غير تعيين، ويسلّم المشتري أيّها شاء‏.‏ وذهبوا أيضاً إلى وجوب تعيين الأجل بالنّسبة للمسلم فيه في بيع السّلم إذا كان مؤجّلا، لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «من أسلف في شيء فليسلف في كيل معلوم أو وزن معلوم إلى أجل معلوم»‏.‏

قال ابن قدامة‏:‏ لا نعلم في اشتراط العلم في الجملة اختلافا‏.‏ وذهب جمهور الفقهاء إلى وجوب تعيين مكان الإيفاء أيضاً، إن كان العقد بموضع لا يصلح للتّسليم، سواء أكان حالا أم مؤجّلا أو يصلح للتّسليم، ولكن لحمله مئونة، وهذا في المؤجّل دون الحالّ‏.‏

أمّا إذا كان المكان صالحا للإيفاء، وليس في حمله مئونة، فلا يجب تعلّم مكان للإيفاء، بل يتعيّن مكان العقد للتّسليم عرفا بلا خلاف‏.‏ وذهب أحمد وإسحاق ومحمّد وأبو يوسف، وهو قول مرجوح عند الشّافعيّة إلى‏:‏ عدم وجوب تعيين مكان التّسليم، سواء أكان في حمله مئونة أم لا، وسواء أكان مؤجّلا أم حالّا، لأنّ مكان العقد هو الّذي يتعيّن‏.‏

وذهب جمهور الفقهاء إلى أنّه لو عيّن المتعاقدان مكانا للتّسليم غير مكان العقد تعيّن‏.‏

د - تعيين المبيع والثّمن‏:‏

11 - يشترط لصحّة البيع معلوميّة المبيع‏.‏ ومعلوميّة الثّمن بما يرفع المنازعة، فلا يصحّ - في جانب المبيع - بيع شاة من هذا القطيع، ولا يصح- في جانب الثّمن - بيع الشّيء بقيمته، أو بحكم فلان، أو برأس ماله، أو بما يبيع به النّاس إلا أن يكون شيئاً لا يتفاوت، لئلا يفضي ذلك إلى النّزاع‏.‏ إلا أنّ بعض علماء الحنابلة يرون أنّه يصحّ البيع بثمن المثل‏.‏ ويعدّ الحنفيّة هذا البيع من البيوع الفاسدة الّتي يمكن تصحيحها في المجلس، بخلاف الجهالة في عين المبيع، فإنّه يترتّب عليها بطلان العقد‏.‏

هذا، وهل الدّراهم والدّنانير تتعيّن بالتّعيين في العقد أم لا‏؟‏ اختلف الفقهاء في ذلك‏:‏ فذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى أنّها تتعيّن بالتّعيين، لأنّه عوض في عقد، فيتعيّن بالتّعيين، كسائر الأعواض‏.‏ ولأنّه أحد العوضين فيتعيّن بالتّعيين كالآخر‏.‏ولأنّ للبائع غرضاً في هذا التّعيين‏.‏ وذهب الحنفيّة والمالكيّة إلى أنّها لا تتعيّن بالتّعيين لأنّه يجوز إطلاقها في العقد، فلا تتعيّن بالتّعيين فيه كالمكيال‏.‏ وهو رواية عن الإمام أحمد رحمه الله‏.‏

هـ - خيار التّعيين‏:‏

12 - نصّ الحنفيّة على صحّة خيار التّعيين في البيع‏.‏

وصورته أن يقول المشتري للبائع‏:‏ اشتريت منك أحد هذين الثّوبين أو أحد هذه الأثواب الثّلاثة من غير تعيين، على أن يختار أيّها شاء‏.‏ وذكروا له عدّة شروط منها‏:‏ أن يكون البيع فيه على واحد من اثنين أو ثلاثة لا بعينه، فلا يزيد عن ثلاثة، فلا يجوز على واحد من أربعة، فإنّ هذه الصّورة غير جائزة عندهم، لاندفاع الحاجة بالثّلاثة، لوجود جيّد ورديء ووسط‏.‏ ومنها‏:‏ أنّه لا بدّ أن يقول بعد قوله‏:‏ بعتك أحد هذين الثّوبين مثلاً‏:‏ على أنّك بالخيار في أيّهما شئت أو على أن تأخذ أيّهما شئت، ليكون نصّا في خيار التّعيين، ولأنّه لو لم يذكر هذا يكون البيع فاسدا لجهالة المبيع‏.‏ واختلفوا هل يشترط معه خيار الشّرط أم لا‏؟‏ والأصحّ عدم اشتراطه معه، وقال بعضهم‏:‏ يشترط ذلك‏.‏

وذكر المالكيّة هذه الصّورة، ولكنّهم لم يذكروا خيار التّعيين بالاسم إلا أنّهم أجازوها‏.‏ ويرى الشّافعيّة والحنابلة أنّ البيع بهذه الصّورة باطل، لجهالة المبيع جهالة تفضي إلى التّنازع‏.‏

و - التّعيين في المسلم فيه‏:‏

13 - لا يجوز تعيين المسلم فيه، بل يجب أن يكون دينا في الذّمّة، فإن أسلم في عين كدار، أو قال‏:‏ أسلمت إليك هذا الثّوب في هذه الشّاة لم يصحّ السّلم، لأنّه ربّما تلف المعيّن قبل أوان تسليمه، ولأنّ المعيّن يمكن بيعه في الحال، فلا حاجة إلى السّلم فيه، حيث إنّ السّلم بيع المفاليس‏.‏ ولذلك لا يجوز أن يسلم في ثمرة بستان بعينه، ولا ثمرة قرية صغيرة بعينها، لأنّه قد ينقطع بجائحة ونحوها فلا يحصل منه شيء، وذلك غرر لا حاجة إليه، ولأنّه روي عن عبد اللّه بن سلام رضي الله عنه قال‏:‏ «جاء رجل إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ إنّ بني فلان أسلموا لقوم من اليهود وإنّهم قد جاعوا‏.‏ فأخاف أن يرتدّوا‏.‏ فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم من عنده‏؟‏ فقال رجل من اليهود‏:‏ عندي كذا وكذا لشيء قد سمّاه أراه قال‏:‏ ثلاثمائة دينار بسعر كذا وكذا من حائط بني فلان‏.‏ فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ بسعر كذا وكذا إلى أجل كذا وكذا، وليس من حائط بني فلان»‏.‏

قال ابن المنذر‏:‏ إبطال السّلم إذا أسلم في ثمرة بستان بعينه كالإجماع من أهل العلم‏.‏

وقال الجوزجانيّ‏:‏ أجمع النّاس على كراهة هذا البيع‏.‏

ز - في الوكالة‏:‏

14 - ذهب الفقهاء إلى أنّه إذا قال الموكّل للوكيل‏:‏ بع لشخص معيّن، فليس له أن يبيع لغيره، بل عليه أن يتقيّد بهذا التّعيين، لأنّه قد يكون له غرض في تمليكه إيّاه دون غيره‏.‏ وكذلك إذا قال‏:‏ بع هذا الشّيء في الزّمن الفلانيّ أو في المكان الفلانيّ يجب عليه أن يتقيّد بهذا التّعيين، إلا إذا علم أنّه لا غرض للموكّل في هذا التّعيين، فلا يجب التّقيّد به‏.‏

ح - في الإجارة‏:‏

15 - ذهب جمهور الفقهاء إلى وجوب تعيين نوع المنفعة في الإجارة وتعيين المدّة فيها‏.‏ وذلك إمّا بغايتها كخياطة الثّوب مثلا، وإمّا بضرب الأجل إذا لم يكن لها غاية ككراء الدّور والحوانيت، وإمّا بالمكان المراد الوصول إليه ككراء الرّواحل إلى المكان الفلانيّ‏.‏

ويرى بعض فقهاء السّلف جواز إجارة المجهولات، مثل أن يعطي الرّجل حماره لمن يحتطب عليه بنصف ما يعود عليه‏.‏ والتّفاصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏إجارة‏)‏‏.‏

ط - في الطّلاق‏:‏

16 - ذهب الفقهاء إلى أنّه لو قال رجل لزوجتيه‏:‏ إحداكما طالق، ونوى واحدة بعينها طلقت، ويلزمه التّعيين‏.‏ والتّفاصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏طلاق‏)‏‏.‏

ي - في الدّعوى‏:‏

17 - من شروط صحّة الدّعوى أن يكون المدّعى به معلوماً معيّناً، فإن كان عينا كحيوان اشترط تعيين الذّكورة والأنوثة والسّنّ واللّون والنّوع، وإن كان نقدا اشترط تعيين الجنس والنّوع والقدر والوصف، ليتمكّن الحاكم من الإلزام به إذا ثبت‏.‏

والتّفاصيل في مصطلح ‏(‏دعوى‏)‏‏.‏

تغريب

التّعريف

1 - التّغريب في اللّغة‏:‏ النّفي عن البلد والإبعاد عنها‏.‏ أصله غرب‏.‏ يقال‏:‏ غربت الشّمس غروبا‏:‏ بعدت وتوارت‏.‏ وغرب الشّخص‏:‏ ابتعد عن وطنه فهو غريب‏.‏وغرّبته أنا تغريباً‏.‏ وقد يكون غرب لازما كما يقال‏:‏ غرب فلان عن بلده تغريباً‏.‏

ولا يخرج معناه الاصطلاحيّ عن المعنى اللّغويّ‏.‏

الأحكام المتعلّقة بالتّغريب

التّغريب يكون عقوبة في حدّ الزّنى، وحدّ الحرابة، كما يكون تعزيراً‏.‏

أوّلاً‏:‏ التّغريب في حدّ الزّنى‏:‏

2 - اتّفق الفقهاء على مشروعيّة التّغريب في الزّنى، في الجملة على خلاف بينهم في اعتباره من حدّ الزّنى أو عدم اعتباره‏.‏

فذهب المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى‏:‏ أنّ من حدّ الزّاني - إن كان بكراً - التّغريب لمدّة سنة لمسافة قصر فأكثر، لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «البكرُ بالبكر جلدُ مائةٍ ونفي سنة، والثّيّبُ بالثّيّب جلد مائة والرّجمُ» ولما روى أبو هريرة وزيد بن خالد رضي الله عنهما‏:‏ «أنّ رجلين اختصما إلى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فقال أحدهما‏:‏ إنّ ابني كان عسيفاً على هذا، فزنى بامرأته، وأنّي افتديت منه بمائة شاة ووليدة، فسألت رجالاً من أهل العلم، فقالوا‏:‏ إنّما على ابنك جلد مائة وتغريب عام، والرّجم على امرأة هذا‏.‏ فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ والّذي نفسي بيده لأقضينّ بينكما بكتاب اللّه تعالى‏:‏ على ابنك جلد مائة وتغريب عام‏.‏ وجلد ابنه مائة وغرّبه عاماً‏.‏ ثمّ قال لأنيس الأسلميّ‏:‏ واغد يا أنيس إلى امرأة هذا، فإن اعترفت فارجمها، فاعترفت فَرَجَمها»‏.‏

ولأنّ الخلفاء الرّاشدين جمعوا بين الجلد والتّغريب، ولم يعرف لهم مخالف،فكان كالإجماع‏.‏

وذهب الحنفيّة إلى أنّ التّغريب ليس من الحدّ، ولكنّهم يجيزون للإمام أن يجمع بين الجلد والتّغريب، إن رأى في ذلك مصلحة‏.‏ فالتّغريب عندهم عقوبة تعزيريّة، وذهبوا إلى أنّ ما روي من قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام»‏.‏ لا يؤخذ به لأنّه لو أخذ به لكان ناسخا للآية، لأنّ فيه زيادة على نصّ الآية، وهي قوله تعالى‏:‏

‏{‏الزَّانِيةُ وَالزَّاني فَاجْلِدُوا كلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائةَ جَلْدَةٍ‏}‏ والحديث المذكور لا يقوى على نسخ الآية لأنّه خبر آحاد‏.‏

وقالوا‏:‏ في التّغريب فتح لباب الفساد، ففيه نقص وإبطال للمقصود منه شرعاً‏.‏ ولما روى عبد الرّزّاق قال‏:‏ غرّب عمر بن الخطّاب رضي الله عنه ربيعة بن أميّة بن خلف في الشّراب إلى خيبر، فلحق بهرقل فتنصّر، فقال عمر‏:‏ لا أغرّب بعده مسلماً‏.‏

ويرى الشّافعيّة والحنابلة أنّ التّغريب هو النّفي من البلد الّذي حدث فيه الزّنى إلى بلد آخر، دون حبس المغرّب في البلد الّذي نفي إليه، إلا أنّه يراقب لئلّا يرجع إلى بلدته‏.‏

وهذا فيمن زنى في وطنه، وأمّا الغريب الّذي زنى بغير بلده، فيغرّب إلى غير بلده‏.‏

وقال المالكيّة‏:‏ يغرّب الزّاني عن البلد الّذي حدث فيه الزّنى إلى بلد آخر، مع سجنه في البلد الّذي غرّب إليه‏.‏ وهذا إن كان متوطّنا في البلد الّتي زنى فيها‏.‏ وأمّا الغريب الّذي زنى فور نزوله ببلد، فإنّه يجلد ويسجن بها، لأنّ سجنه في المكان الّذي زنى فيه تغريب له‏.‏

من يغرّب في حدّ الزّنى

3 - اتّفق القائلون بالتّغريب على وجوبه على الرّجل الزّاني الحرّ غير المحصن لمدّة عام‏.‏ لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام»‏.‏

وأمّا المرأة غير المحصنة، فقد ذهب الشّافعيّة والحنابلة، واللّخميّ من المالكيّة إلى وجوب التّغريب عليها كذلك‏.‏ قال الشّافعيّة والحنابلة‏:‏ ويكون معها زوج أو محرم، لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «لا تسافر المرأة إلا ومعها زوج أو محرم» وفي الصّحيحين‏:‏

«لا يحلّ لامرأة تؤمن باللّه واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم إلّا مع ذي محرم»‏.‏

ولأنّ القصد تأديبها، والزّانية إذا خرجت وحدها هتكت جلباب الحياء‏.‏ وذهب المالكيّة إلى أنّه لا تغريب على المرأة، ولو مع محرم أو زوج ولو رضيت بذلك، على المعتمد عندهم‏.‏

ثانياً‏:‏ التّغريب في حدّ الحرابة‏:‏

4 - ورد النّفي في حدّ الحرابة في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏إنَّمَا جَزَاءُ الَّذينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَه وَيَسْعَونَ في الأَرضِ فَسَادَاً أَنْ يُقَتَّلُوا أو يُصَلَّبُوا أو تُقَطَّعَ أيْدِيهمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أو يُنْفَوا مِنَ الأرضِ‏}‏ وقد اختلف الفقهاء في المراد بالنّفي في الآية‏:‏

فذهب الحنفيّة إلى‏:‏ أنّ المراد بالنّفي في حدّ الحرابة الحبس، لأنّ النّفي من جميع الأرض محال، وإلى بلد آخر فيه إيذاء لأهلها، فلم يبق إلا الحبس، والمحبوس يسمّى منفيّا من الأرض، لأنّه لا ينتفع بطيّبات الدّنيا ولذّاتها ولا يجتمع بأقاربه وأحبابه‏.‏

وذهب المالكيّة إلى‏:‏ أنّه مثل التّغريب في الزّنى، ولكنّه يسجن في حدّ الحرابة حتّى تظهر توبته أو يموت‏.‏ وذهب الشّافعيّة إلى أنّ قاطع الطّريق - إذا أخذ قبل أن يقتل نفساً أو يأخذ مالا - يعزّر بالحبس أو التّغريب‏.‏ وقالوا‏:‏ هذا تفسير النّفي الوارد في الآية‏.‏

وذهب الحنابلة إلى أنّ المراد بالنّفي في حدّ الحرابة تشريد قطّاع الطّريق في الأرض، وعدم تركهم يأوون إلى بلد حتّى تظهر توبتهم‏.‏

ثالثاً‏:‏ التّغريب على سبيل التّعزير‏:‏

5 - اتّفق الفقهاء على مشروعيّة التّعزير بالتّغريب‏.‏

لما ثبت من قضاء النّبيّ صلى الله عليه وسلم بالنّفي تعزيرا في شأن المخنّثين‏.‏

ولنفي عمر بن الخطّاب رضي الله عنه للّذي عمل خاتما على نقش خاتم بيت المال وأخذ به مالا منه‏.‏ وللتّفصيل انظر مصطلح‏:‏ ‏(‏تعزير‏)‏‏.‏

تغرير

انظر‏:‏ غرر‏.‏

تغسيل الميّت

التّعريف

1 - التّغسيل في اللّغة‏:‏ مصدر غسّل بالتّشديد، بمعنى‏:‏ إزالة الوسخ عن الشّيء، بإجراء الماء عليه، والميّت بالتّخفيف والتّشديد‏:‏ ضدّ الحيّ، وأمّا الحيّ - فهو بالتّشديد لا غير - بمعنى من سيموت‏.‏ ومنه قوله تعالى‏:‏ ‏{‏إنَّكَ مَيِّتٌ وَإنَّهمْ مَيِّتُونَ‏}‏ ويستوي فيه المذكّر والمؤنّث، قال تعالى‏:‏ ‏{‏لِنُحْيِيَ به بَلْدَةً مَيْتَاً‏}‏ ولم يقل ميّتة‏.‏

فتغسيل الميّت من قبيل إضافة المصدر إلى المفعول‏.‏

وفي الاصطلاح‏:‏ تعميم بدن الميّت بالماء بطريقة مسنونة‏.‏

الحكم التّكليفي

2 - ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ تغسيل الميّت المسلم واجب كفاية، بحيث إذا قام به البعض سقط عن الباقين، لحصول المقصود بالبعض، كسائر الواجبات على سبيل الكفاية‏.‏ لقوله عليه الصلاة والسلام‏:‏ «للمسلم على المسلم ستّ وعدّ منها‏:‏ أن يغسّله بعد موته» والأصل فيه‏:‏ «تغسيل الملائكة عليهم الصلاة والسلام لآدم عليه السلام‏.‏ ثمّ قالوا‏:‏ يا بني آدم هذه سنّتكم»‏.‏

وأمّا القول بسنّيّة الغسل عند بعض المالكيّة، فقد اقتصر على تصحيحه ابن الحاجب وغيره‏.‏

ما ينبغي لغاسل الميّت، وما يكره له

3 - ينبغي أن يكون الغاسل ثقة أميناً، وعارفاً بأحكام الغسل‏.‏

وفي الحديث عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ «لِيغسّل موتاكم المأمونون» ‏.‏

ولا يجوز له إذا رأى من الميّت شيئاً ممّا يكره أن يذكره إلا لمصلحة، لما روي عنه عليه الصلاة والسلام أنّه قال‏:‏ «من غسّل ميّتاً، فأدّى فيه الأمانة، ولم يفش عليه ما يكون منه عند ذلك، خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمّه»‏.‏

وإن رأى حسناً مثل أمارات الخير من وضاءة الوجه ونحو ذلك، استحبّ له إظهاره ليكثر التّرحّم عليه، ويحصل الحثّ على طريقته، والتّبشير بجميل سيرته‏.‏

إلا إذا كان الميّت مبتدعاً، ورأى الغاسل منه ما يكره، فلا بأس أن يحدّث النّاس به، ليكون زجرا لهم عن البدعة‏.‏

كما يستحبّ أن يليّن مفاصله إن سهلت عليه، وإن شقّ ذلك لقسوة الميّت أو غيرها تركها، لأنّه لا يؤمن أن تنكسر أعضاؤه‏.‏ ويلفّ الغاسل على يده خرقة خشنة يمسحه بها، لئلا يمسّ عورته‏.‏ لأنّ النّظر إلى العورة حرام‏.‏ فاللّمس أولى، ويعدّ لغسل السّبيلين خرقة أخرى‏.‏ قال الشّافعيّة‏:‏ ويكره للغاسل أن ينظر إلى شيء من بدنه إلّا لحاجة، أمّا المعيّن فلا ينظر إلا لضرورة‏.‏

كما يكره له أن يقف على الدّكّة، ويجعل الميّت بين رجليه، بل يقف على الأرض ويقلّبه حين غسله، كما ينبغي له أن يشتغل بالتّفكّر والاعتبار، لا بالأذكار الّتي ابتدعوها لكلّ عضو ذكر يخصّه، فإنّها بدعة‏.‏

النّيّة في تغسيل الميّت

4 - ذهب الحنفيّة إلى‏:‏ أنّ النّيّة ليست شرطا لصحّة الطّهارة، بل شرط لإسقاط الفرض عن المكلّفين، فلو غسّل الميّت بغير نيّة أجزأ لطهارته، لا لإسقاط الفرض عن المكلّفين‏.‏ وذهب المالكيّة، وهو الأصحّ عند الشّافعيّة، وظاهر نصّ الشّافعيّ، ورواية عن الحنابلة إلى‏:‏ عدم اشتراط النّيّة في تغسيل الميّت، لأنّ الأصل عند المالكيّة‏:‏ أنّ كلّ ما يفعله في غيره لا يحتاج فيه إلى نيّة، كغسل الإناء من ولوغ الكلب سبعاً، ولأنّ القصد التّنظيف، فأشبه غسل النّجاسة‏.‏ وذهب الشّافعيّة في قول آخر، والحنابلة في رواية أخرى إلى وجوب النّيّة، لأنّ غسل الميّت واجب، فافتقر إلى النّيّة كغسل الجنابة، ولمّا تعذّرت النّيّة من الميّت اعتبرت في الغاسل، لأنّه المخاطب بالغسل‏.‏

تجريد الميّت وكيفيّة وضعه حالة الغسل

5 - ذهب الحنفيّة والمالكيّة، وهو أحد قولي الشّافعيّة، ورواية عن أحمد إلى أنّه يستحبّ تجريد الميّت عند تغسيله، لأنّ المقصود من الغسل هو التّطهير وحصوله بالتّجريد أبلغ‏.‏ ولأنّه لو اغتسل في ثوبه تنجّس الثّوب بما يخرج، وقد لا يطهر، وإليه ذهب ابن سيرين‏.‏ والصّحيح المعروف عند الشّافعيّة، وهو رواية المرّوذيّ عن أحمد أنّه يغسّل في قميصه‏.‏ وقال أحمد‏:‏ يعجبني أن يغسّل الميّت وعليه ثوب رقيق ينزل الماء فيه، يدخل يده من تحته، قال‏:‏ وكان أبو قلابة إذا غسّل ميّتا جلّله بثوب‏.‏ واعتبره القاضي سنّة، فقال‏:‏ السّنّة أن يغسّل الميّت في قميص، فيمرّ يده على بدنه، والماء يصبّ‏.‏

ولأنّ «النّبيّ صلى الله عليه وسلم غسّل في قميصه»‏.‏

وأمّا ستر عورته فلا خلاف فيه، لأنّ ستر العورة واجب ومأمور به، هذا إذا كان الذّكر يغسّل الذّكر، والأنثى تغسّل الأنثى، وأمّا إذا كان الذّكر المحرم يغسّل الأنثى، وعكسه، فيستر جميع بدن الميّت‏.‏ وأمّا كيفيّة وضعه عند تغسيله، فهي أنّه يوضع على سرير أو لوح هيّئ له، ويكون موضع رأسه أعلى لينحدر الماء، ويكون الوضع طولا، كما في حالة المرض إذا أراد الصّلاة بإيماء‏.‏

ومن الحنفيّة من اختار الوضع كما يوضع في القبر‏.‏ والأصحّ أنّه يوضع كما تيسّر‏.‏

عدد الغسلات وكيفيّتها

6 - قبل أن يبدأ الغاسل بتغسيل الميّت يزيل عنه النّجاسة، ويستنجيه عند أبي حنيفة ومحمّد‏.‏ وأمّا إزالة النّجاسة وإنقاؤها فأبو حنيفة ومحمّد يقولان به بلا إجلاس وعصر في أوّل الغسل، وعند المالكيّة يندب عصر البطن حالة الغسل، وعند الشّافعيّة والحنابلة يكون إجلاس الميّت وعصر بطنه في أوّل الغسل‏.‏

ثمّ يوضّئه وضوءه للصّلاة، ولا يدخل الماء في فيه ولا أنفه، وإن كان فيهما أذى أزاله بخرقة يبلّها ويجعلها على أصبعه، فيمسح أسنانه وأنفه حتّى ينظّفهما‏.‏ وهذا عند الحنفيّة والحنابلة، وإليه ذهب سعيد بن جبير والنّخعيّ والثّوريّ، وقال شمس الأئمّة الحلوانيّ‏:‏ وعليه عمل النّاس اليوم‏.‏

وأمّا عند المالكيّة والشّافعيّة فلا يغني ذلك عن المضمضة والاستنشاق‏.‏

ويميل رأس الميّت حتّى لا يبلغ الماء بطنه‏.‏ وكذا لا يؤخّر رجليه عند التّوضئة‏.‏

وبعد الوضوء يجعله على شقّه الأيسر فيغسل الأيمن، ثمّ يديره على الأيمن فيغسل الأيسر، وذلك بعد تثليث غسل رأسه ولحيته‏.‏

والواجب في غسل الميّت مرّة واحدة، ويستحبّ أن يغسّل ثلاثاً كلّ غسلة بالماء والسّدر، أو ما يقوم مقامه، ويجعل في الأخيرة كافوراً، أو غيره من الطّيب إن أمكن‏.‏

وإن رأى الغاسل أن يزيد على ثلاث - لكونه لم ينق، أو غير ذلك - غسله خمساً أو سبعاً، ويستحبّ أن لا يقطع إلا على وتر‏.‏ وقال أحمد‏:‏ لا يزيد على سبع‏.‏

والأصل في هذا قول النّبيّ صلى الله عليه وسلم لغاسلات ابنته زينب رضي الله عنها

«ابْدَأْن بميامنها، ومواضع الوضوء منها، واغسِلْنَها ثلاثاً أو خمساً أو سبعاً، أو أكثر من ذلك إن رأيتنّ ذلك، بماء وسدر، واجْعلْنَ في الآخرة كافوراً أو شيئاً من كافور»‏.‏

ويرى ابن حبيب من المالكيّة أنّه لا بأس عند الوباء وما يشتدّ على النّاس من غسل الموتى لكثرتهم، أن يجتزئوا بغسلة واحدة بغير وضوء، يصبّ الماء عليهم صبّاً‏.‏

وإن خرج منه شيء وهو على مغتسله، فيرى الحنفيّة والمالكيّة - ما عدا أشهب - وهو الأصحّ عند الشّافعيّة، واختاره أبو الخطّاب من الحنابلة‏:‏ أنّه لا يعاد غسله، وإنّما يغسل ذلك الموضع، وإليه ذهب الثّوريّ أيضاً‏.‏

وذهب الحنابلة، وهو قول آخر للشّافعيّة إلى أنّه إن خرج منه شيء وهو على مغتسله غسّله إلى خمس، فإن زاد فإلى سبع‏.‏ وإليه ذهب ابن سيرين وإسحاق‏.‏

وللشّافعيّة قول ثالث، وهو أنّه يجب إعادة وضوئه‏.‏ هذا إذا خرجت النّجاسة قبل الإدراج في الكفن، وأمّا بعده فجزموا بالاكتفاء بغسل النّجاسة فقط‏.‏

7 - يستحبّ أن يحمل الميّت إلى مكان خال مستور لا يدخله إلا الغاسل، ومن لا بدّ من معونته عند الغسل، وذكر الرّويانيّ وغيره أنّ للوليّ أن يدخله إن شاء، وإن لم يغسّل ولم يعن، وكان ابن سيرين يستحبّ أن يكون البيت الّذي يغسّل فيه الميّت مظلماً‏.‏

قال ابن قدامة‏:‏ فإن لم يكن جعل بينه وبينهم ستراً‏.‏ قال ابن المنذر‏:‏ كان النّخعيّ يحبّ أن يغسّل الميّت وبينه وبين السّماء سترة، وهو ما أوصى به الضّحّاك أخاه سالما، كما ذكر القاضي أنّ عائشة رضي الله تعالى عنها قالت‏:‏ «أتانا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ونحن نغسّل ابنته، فجعلنا بينها وبين السّقف ستراً»‏.‏

صفة ماء الغسل

8 - يشترط لصحّة غسل الميّت في الماء‏:‏ الطّهوريّة كسائر الطّهارات، والإباحة كباقي الأغسال، واستحبّ الحنفيّة أن يكون الماء ساخنا لزيادة الإنقاء، ويغلى الماء بالسّدر أو غيره، لأنّه أبلغ في النّظافة وهو المقصود‏.‏

وعند المالكيّة يخيّر الغاسل في صفة الماء إن شاء باردا وإن شاء ساخناً‏.‏

ويرى الشّافعيّة والحنابلة عدم غسل الميّت بالماء الحارّ في المرّة الأولى، إلا لشدّة البرد أو لوسخ أو غيره‏.‏

واستحسن الشّافعيّة أن يتّخذ الغاسل إناءين، والحنابلة أن يتّخذ ثلاثة أوان للماء‏.‏

ما يصنع بالميّت قبل التّغسيل وبعده

9 - يرى جمهور الفقهاء أنّ استعمال البخور عند تغسيل الميّت مستحبّ، لئلّا تشمّ منه رائحة كريهة‏.‏ ويزداد في البخور عند عصر بطنه‏.‏

وأمّا تسريح الشّعر، وتقليم الأظفار، وحلق العانة، ونتف الإبط، فلا يفعل شيء من ذلك عند الحنفيّة، وهو أيضا قول الحنابلة في العانة، ورواية عندهم في تقليم الأظفار، وهو مذهب المالكيّة والشّافعيّة في القديم أيضا إلا في تسريح الشّعر واللّحية، لأنّ ذلك يفعل لحقّ الزّينة، والميّت ليس بمحلّ الزّينة‏.‏ فلا يزال عنه شيء ممّا ذكرنا، وأمّا إن كان ظفره منكسرا فلا بأس بأخذه‏.‏

وذهب الشّافعيّة في الجديد إلى أنّه يفعل كلّ ذلك، وإليه ذهب الحنابلة في قصّ الشّارب، وهو رواية عندهم في تقليم الظّفر إن كان فاحشاً، ورواية عن أحمد في حلق العانة‏.‏ ودليل الجواز قول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «اصنعوا بموتاكم كما تصنعون بعرائسكم»‏.‏ ولأنّ ترك تقليم الأظفار ونحوها يقبّح منظر الميّت، فشرعت إزالته‏.‏

وأمّا الختان فلا يشرع عند جمهور الفقهاء، لأنّه إبانة جزء من أعضائه، كما أنّه لا يحلق رأس الميّت‏.‏ وحكى أحمد عن بعض النّاس أنّه يختن‏.‏

وإذا فرغ الغاسل من تغسيل الميّت نشّفه بثوب، لئلّا تبتلّ أكفانه‏.‏ وفي حديث أمّ سليم رضي الله عنها‏:‏ «فإذا فرغت منها فألقى عليها ثوباً نظيفاً»‏.‏ وذكر القاضي في حديث ابن عبّاس رضي الله عنه في غسل النّبيّ عليه الصلاة والسلام قال‏:‏ «فجفّفوه بثوب»‏.‏

الحالات الّتي ييمّم فيها الميّت

10 - ييمّم الميّت في الحالات الآتية‏:‏

أ - إذا مات رجل بين نسوة أجانب، ولم توجد امرأة محرمة، أو ماتت امرأة بين رجال أجانب، ولم يوجد محرم‏.‏ وهذا عند الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة - في الأصحّ - والحنابلة، وإليه ذهب سعيد بن المسيّب والنّخعيّ، وحمّاد، وابن المنذر‏.‏

وأضاف الحنفيّة قولهم‏:‏ إذا كان بين النّسوة امرأته غسّلته، فإن لم تكن وكانت معهنّ صبيّة صغيرة، لم تبلغ حدّ الشّهوة، وأطاقت الغسل، علّمنها الغسل، ويخلّين بينه وبينها حتّى تغسّله، وتكفّنه، لأنّ حكم العورة في حقّها غير ثابت‏.‏ وكذلك إذا ماتت امرأة بين رجال أجانب، وكان معهم صبيّ لم يبلغ حدّ الشّهوة، وأطاق الغسل،علّموه الغسل فيغسّلها‏.‏

والوجه الثّاني عند الشّافعيّة، وإليه ذهب أبو الخطّاب من الحنابلة، وهو قول الحسن، وإسحاق، والقفّال، ورجّحه إمام الحرمين والغزاليّ‏:‏ أنّ الميّت لا ييمّم في هذه الحالة، بل يغسّل ويصبّ عليه الماء من فوق القميص، ولا يمسّ‏.‏

وحكى صاحب البيان من الشّافعيّة وجهاً ثالثاً أنّه يدفن ولا ييمّم ولا يغسّل‏.‏ قال النّوويّ‏:‏ وهو ضعيف جدّاً‏.‏ وأمّا كيفيّة التّيمّم ففيها خلاف وتفصيل يرجع فيه إلى مصطلح ‏(‏تيمّم‏)‏‏.‏ ب - إذا مات خنثى مشكل وهو كبير، على التّفصيل الّذي سيأتي في ف /19‏.‏

ج - إذا تعذّر غسله لفقد ماء حقيقة أو حكما كتقطّع الجسد بالماء، أو تسلّخه من صبّه عليه‏.‏

من يجوز لهم تغسيل الميّت

أ - الأحقّ بتغسيل الميّت‏:‏

11 - الأصل أنّه لا يغسّل الرّجال إلّا الرّجال، ولا النّساء إلّا النّساء، لأنّ نظر النّوع إلى النّوع نفسه أهون، وحرمة المسّ ثابتة حالة الحياة، فكذا بعد الموت‏.‏

واختلفوا في التّرتيب‏.‏ فذهب الحنفيّة إلى أنّه يستحبّ للغاسل أن يكون أقرب النّاس إلى الميّت، فإن لم يعلم الغسل فأهل الأمانة والورع‏.‏

ويرى المالكيّة تقديم الحيّ من الزّوجين في غسل صاحبه على العصبة، ويقضى له بذلك عند التّنازع، ثمّ الأقرب فالأقرب من عصبته، ثمّ امرأة محرمة كأمّ وبنت‏.‏ وإن كان الميّت امرأة، ولم يكن لها زوج، أو كان وأسقط حقّه، يغسّلها أقرب امرأة إليها فالأقرب، ثمّ أجنبيّة، ثمّ رجل محرم على التّرتيب السّابق‏.‏ ويستر وجوبا جميع جسدها، ولا يباشر جسدها إلا بخرقة كثيفة يلفّها على يده‏.‏ وعند الشّافعيّة إن كان الميّت رجلا غسّله أقاربه‏.‏ وهل تقدّم الزّوجة عليهم، فيه ثلاثة أوجه‏:‏

الوجه الأوّل، وهو الأصحّ‏:‏ أنّه يقدّم من الرّجال العصبات، ثمّ الأجانب، ثمّ الزّوجة، ثمّ النّساء المحارم‏.‏

والوجه الثّاني‏:‏ يقدّم الرّجال الأقارب، ثمّ الزّوجة، ثمّ الرّجال الأجانب، ثمّ النّساء المحارم‏.‏ والوجه الثّالث‏:‏ تقدّم الزّوجة على الجميع‏.‏ وإن كان الميّت امرأة قدّم نساء القرابة، ثمّ النّساء الأجانب، ثمّ الزّوج، ثمّ الرّجال الأقارب‏.‏ وذوو المحارم من النّساء الأقارب أحقّ من غيرهم، وهل يقدّم الزّوج على نساء القرابة‏؟‏ وجهان‏:‏

الوجه الأوّل‏:‏ وهو الأصحّ المنصوص يقدّمن عليه لأنّهنّ أليق‏.‏

والثّاني‏:‏ يقدّم الزّوج لأنّه كان ينظر إلى ما لا ينظرن، وظاهر كلام الغزاليّ تجويز الغسل للرّجال المحارم مع وجود النّساء، ولكنّ عامّة الشّافعيّة يقولون‏:‏ المحارم بعد النّساء أولى‏.‏

وذهب الحنابلة إلى أنّ الأولى بالتّغسيل وصيّ الميّت إذا كان عدلا، ويتناول عمومه ما لو وصّى لامرأته، وهو مقتضى استدلالهم بأنّ أبا بكر رضي الله عنه وصّى لامرأته فغسّلته‏.‏ وكذا لو أوصت بأن يغسّلها زوجها‏.‏ وبعد وصيّه أبوه وإن علا، ثمّ ابنه وإن نزل، ثمّ الأقرب فالأقرب كالميراث، ثمّ الأجانب، فيقدّم صديق الميّت، وبعد وصيّها أمّها وإن علت، فبنتها وإن نزلت، فبنت ابنها وإن نزل، ثمّ القربى فالقربى‏.‏

ب - تغسيل المرأة لزوجها‏:‏

12 - لا خلاف بين الفقهاء في أنّ للمرأة تغسيل زوجها، إذا لم يحدث قبل موته ما يوجب البينونة‏.‏ فإن ثبتت البينونة بأن طلّقها بائناً، أو ثلاثاً ثمّ مات، لا تغسّله لارتفاع ملك البضع بالإبانة‏.‏ وأضاف الشّافعيّة أنّه إن طلّقها رجعيّا - ومات أحدهما في العدّة - لم يكن للآخر غسله عندهم لتحريم النّظر في الحياة‏.‏

وكذا لا تغسّله عند جمهور الفقهاء إذا حدث ما يوجب البينونة بعد الموت، كما لو ارتدّت بعده ثمّ أسلمت، لزوال النّكاح، لأنّ النّكاح كان قائما بعد الموت فارتفع بالرّدّة، والمعتبر بقاء الزّوجيّة حالة الغسل لا حالة الموت‏.‏ ويرى زفر من الحنفيّة أنّ المعتبر بقاء الزّوجيّة حالة الموت، وعلى هذا فيجوز لها تغسيله عنده، وإن حدث ما يوجب البينونة بعد موته‏.‏ والأصل في جواز تغسيل الزّوجة لزوجها ما روي أنّ عائشة رضي الله تعالى عنها قالت‏:‏

«لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما غسّله إلا نساؤه»‏.‏

ج - تغسيل الزّوج لزوجته‏:‏

13 - ذهب الحنفيّة في الأصحّ، وهو رواية عن أحمد إلى أنّه ليس للزّوج غسلها، وإليه ذهب الثّوريّ، لأنّ الموت فرقة تبيح أختها وأربعا سواها، فحرّمت الفرقة النّظر واللّمس كالطّلاق‏.‏ ويرى المالكيّة والشّافعيّة، وهو المشهور عند الحنابلة أنّ للزّوج غسل امرأته، وهو قول علقمة وعبد الرّحمن وقتادة وحمّاد وإسحاق‏.‏ لأنّ عليّاً رضي الله تعالى عنه غسّل فاطمة رضي الله عنها واشتهر ذلك في الصّحابة فلم ينكروه، فكان إجماعاً‏.‏

ولأنّ «النّبيّ عليه الصلاة والسلام قال لعائشة رضي الله تعالى عنها‏:‏ ما ضرّك لو متّ قبلي فقمت عليك، فغسّلتك وكفّنتك، وصلّيت عليك، ودفنتك» إلا أنّه يكره مع وجود من يغسّلها، لما فيه من الخلاف والشّبهة‏.‏ قال ابن قدامة‏:‏ وقول الخرقيّ‏:‏ وإن دعت الضّرورة إلى أن يغسّل الرّجل زوجته فلا بأس‏.‏ يعني به أنّه يكره له غسلها مع وجود من يغسّلها سواه، لما فيه من الخلاف والشّبهة‏.‏ وأمّا المالكيّة والشّافعيّة فقد أطلقوا الجواز‏.‏ ولا يتأتّى ذلك عند الحنفيّة، لأنّه ليس للزّوج غسلها عندهم‏.‏

د - تغسيل المسلم للكافر وعكسه‏:‏

14 - اتّفق الفقهاء على أنّه لا يجب على المسلم تغسيل الكافر، لأنّ الغسل وجب كرامة وتعظيما للميّت، والكافر ليس من أهل الكرامة والتّعظيم‏.‏

وذهب الحنفيّة، وهو قول لأحمد إلى جواز ذلك إذا كان الكافر الميّت ذا رحم محرم من المسلم، فيجوز عندهم تغسيله عند الاحتياج، بأن لم يكن هناك من يقوم به من أهل دينه وملّته، فإن كان، خلّى المسلم بينه وبينهم‏.‏

والأصل في ذلك ما روي «عن عليّ رضي الله عنه لمّا مات أبوه أبو طالب، جاء إلى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ يا رسول اللّه عمّك الضّالّ قد توفّي، فقال‏:‏ اذهب واغسله وكفّنه وواره»‏.‏

ومذهب الشّافعيّة جواز تغسيل المسلمين وغيرهم للكافرين، وأقاربه الكفّار أحقّ به من أقاربه المسلمين‏.‏

وصرّح المالكيّة، وهو المذهب عند الحنابلة بأنّ المسلم لا يغسّل الكافر مطلقا، سواء أكان قريبا منه أم لم يكن‏.‏

وذهب المالكيّة والحنابلة إلى أنّه ليس للمسلم غسل زوجته الكافرة لأنّ المسلم لا يغسّل الكافر ولا يتولّى دفنه، ولأنّه لا ميراث بينهما ولا موالاة، وقد انقطعت الزّوجيّة بالموت‏.‏ وكذلك لا تغسّله هي عند المالكيّة إلا إذا كانت بحضرة المسلمين‏.‏ وعند الحنابلة مطلقاً‏.‏

لأنّ النّيّة واجبة في الغسل، والكافر ليس من أهلها‏.‏

وعرف من مذهب الشّافعيّة أنّ للزّوج غسل زوجته المسلمة والذّمّيّة، ولها غسله‏.‏

وأمّا عند الحنفيّة‏:‏ فالمرأة لا تمنع من تغسيل زوجها بشرط بقاء الزّوجيّة ولو كتابيّة‏.‏

وأمّا عكس ذلك فلا يتأتّى عندهم في الأصحّ، وعند أحمد في رواية، لأنّه ليس للزّوج غسلها مطلقا كما سبق ‏(‏ف 13‏)‏‏.‏

تغسيل الكافر للمسلم

15 - ذهب الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة في المخرج - مقابل الصّحيح المنصوص - والحنابلة إلى أنّه لا يصحّ تغسيل الكافر للمسلم، لأنّ التّغسيل عبادة، والكافر ليس من أهلها، فلا يصحّ تغسيله للمسلم كالمجنون‏.‏ وأيضاً فإنّ النّيّة واجبة في الغسل والكافر ليس من أهلها‏.‏ وفي الصّحيح المنصوص عند الشّافعيّة أنّ الكافر لو غسّل مسلما فإنّه يكفي‏.‏

هـ – تغسيل الرّجال والنّساء للأطفال الصّغار وعكسه‏:‏

- 1 - تغسيل الرّجال والنّساء للأطفال الصّغار‏:‏

16 - قال ابن المنذر‏:‏ أجمع كلّ من نحفظ عنه من أهل العلم على أنّ المرأة تغسّل الصّبيّ الصّغير‏.‏ وقيّده الحنفيّة والشّافعيّة بالّذي لا يشتهى، والمالكيّة بثماني سنين فما دونها، والحنابلة بما دون سبع سنين‏.‏

ثمّ اختلفوا في تحديد السّنّ على أقوال كثيرة فصّلها الفقهاء في ‏(‏كتاب الجنائز‏)‏‏.‏

أمّا تغسيل الرّجال للصّغيرة فذهب الحنفيّة والشّافعيّة إلى أنّه لا بأس للرّجل أن يغسّل الصّبيّة الّتي لا تشتهى إذا ماتت، لأنّ حكم العورة غير ثابت في حقّها، وإليه ذهب الثّوريّ وأبو الخطّاب‏.‏

ويرى جمهور المالكيّة أنّه يجوز غسل صبيّة رضيعة وما قاربها كزيادة شهر على مدّة الرّضاع، لا بنت ثلاث سنين‏.‏ ويرى ابن القاسم منهم أنّه لا يغسّل الرّجل الصّبيّة وإن صغرت جدّا‏.‏ وقال عيسى‏:‏ إذا صغرت جدّا فلا بأس‏.‏

وصرّح أحمد أنّ الرّجل لا يغسّل الصّبيّة إلا ابنته الصّغيرة، فإنّه يروى عن ابن قلابة أنّه غسّل بنتا له صغيرة، وهو قول الحسن أيضا‏.‏ قال ابن قدامة‏:‏ الصّحيح ما عليه السّلف من أنّ الرّجل لا يغسّل الجارية، والتّفرقة بين عورة الغلام والجارية، لأنّ عورة الجارية أفحش، ولأنّ العادة معاناة المرأة للغلام الصّغير، ومباشرة عورته في حال تربيته، ولم تجر العادة بمباشرة الرّجل عورة الجارية في الحياة، فكذلك حال الموت‏.‏

تغسيل الصّبيّ للميّت

17 - صرّح الحنفيّة والحنابلة بأنّه يجوز للصّبيّ إذا كان عاقلا أن يغسّل الميّت، لأنّه تصحّ طهارته فصحّ أن يطهّر غيره، وهو المتبادر من أقوال المالكيّة والشّافعيّة‏.‏

و - تغسيل المحرم الحلال وعكسه، وكيفيّة تغسيل المحرم‏:‏

18 - لا خلاف بين الفقهاء في جواز تغسيل المحرم الحلال وعكسه، لأنّ كلّ واحد منهما تصحّ طهارته وغسله، فكان له أن يغسّل غيره‏.‏

وأمّا كيفيّة تغسيل المحرم فاختلف الفقهاء فيها‏:‏

ذهب الحنفيّة والمالكيّة إلى أنّ إحرامه يبطل بالموت فيصنع به كما يصنع بالحلال‏.‏

ويرى الشّافعيّة والحنابلة‏:‏ أنّ حكم إحرامه لا يبطل بموته، فيصنع في تغسيله ما يصنع بالمحرم‏.‏ وفي الموضوع تفصيل يرجع فيه إلى مصطلح ‏(‏إحرام‏)‏‏.‏

ز - تغسيل الخنثى المشكل‏:‏

19 - إذا كان الخنثى المشكل صغيرا لم يبلغ، يجوز للرّجال والنّساء تغسيله، كما يجوز مسّه والنّظر إليه‏.‏ وأمّا إذا كان كبيراً أو مراهقاً فذهب الحنفيّة، وهو وجه عند الشّافعيّة إلى أنّه لا يغسّل رجلا ولا امرأة، ولا يغسّله رجل ولا امرأة، بل ييمّم‏.‏

والأصل عند الشّافعيّة أنّ الخنثى المشكل - إن كان له محرم من الرّجال أو النّساء - غسّله بالاتّفاق، وإن لم يكن له محرم جاز للرّجال والنّساء غسله صغيراً‏.‏ فإن كان كبيرا ففيه وجهان‏:‏ أحدهما‏:‏ هذا، والآخر‏:‏ أنّه يغسّل‏.‏ قال أحمد‏:‏ إذا لم تكن له أمة، ييمّم، وزاد‏:‏ أنّ الرّجل أولى بتيميم خنثى في سنّ التّمييز، وحرم بدون حائل على غير محرم‏.‏

ويرى المالكيّة‏:‏ أنّه إن أمكن وجود أمة له - سواء أكانت من ماله أم من بيت المال، أم من مال المسلمين - فإنّها تغسّله، وإلّا ييمّم، ولا يغسّله أحد سواها‏.‏

وذهب الشّافعيّة في وجه آخر إلى أنّه يغسّل إذا لم يكن له محارم‏.‏

وفيمن يغسّل أوجه‏:‏ أصحّها‏:‏ أنّه يجوز للرّجال والنّساء جميعا للضّرورة، واستصحابا لحكم الصّغر، وبه قال أبو زيد‏.‏

والوجه الثّاني‏:‏ أنّه في حقّ الرّجال كالمرأة، وفي حقّ النّساء كالرّجل، أخذا بالأحوط‏.‏ والوجه الثّالث‏:‏ وهو وجه ضعيف عندهم، أنّه يشترى من تركته جارية لتغسّله، فإن لم تكن له تركة فمن بيت المال‏.‏

من يغسّل من الموتى ومن لا يغسّل

أ - تغسيل الشّهيد‏:‏

20 - اتّفق الفقهاء على أنّ الشّهيد لا يغسّل، لما روي «عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه قال في شهداء أحد‏:‏ ادفنوهم بدمائهم»‏.‏

ويرى الحسن البصريّ وسعيد بن المسيّب تغسيل الشّهيد‏.‏

وإن كان الشّهيد جنباً فذهب أبو حنيفة والحنابلة، وهو رواية عن الشّافعيّة، وقول سحنون من المالكيّة إلى أنّه يغسّل‏.‏ ويرى جمهور المالكيّة وأبو يوسف ومحمّد من الحنفيّة، والشّافعيّة في الأصحّ أنّه لا يغسّل لعموم الخبر‏.‏

وكذلك الحكم فيمن وجب عليه الغسل بسبب سابق على الموت، كالمرأة الّتي تطهر من حيض أو نفاس ثمّ تستشهد فهي كالجنب‏.‏

وأمّا قبل الطّهارة من الحيض أو النّفاس فلا يجب الغسل‏.‏

وعن أبي حنيفة في هذه الحالة روايتان‏:‏ إحداهما‏:‏ يجب الغسل كالجنب والأخرى لا يجب‏.‏

وذهب جمهور الفقهاء - ما عدا أبا حنيفة - إلى أنّ الشّهيد البالغ وغيره سواء، وإليه ذهب أبو ثور وابن المنذر‏.‏ والخلاف في هذه المسألة وكذلك في تغسيل من كان به رمق، والمرتثّ ‏(‏وهو من حمل من المعركة جريحا وبه رمق‏)‏، ومن عاد عليه سلاحه فقتله، ومن يقتل من أهل العدل في المعركة، ومن قتل ظلما، أو دون ماله أو دون نفسه وأهله مبنيّ على خلاف آخر، وهو أنّ هؤلاء وأمثالهم هل يعتبرون من الشّهداء أم لا‏؟‏‏.‏

فيرجع للتّفصيل إلى مصطلح ‏(‏شهيد‏)‏‏.‏

ب - تغسيل المبطون والمطعون وصاحب الهدم وأمثالهم‏:‏

21 - لا خلاف عند جمهور الفقهاء في أنّ الشّهيد بغير قتل كالمبطون، والمطعون، ومنه الغريق، وصاحب الهدم، والنّفساء، ونحوهم يغسّلون، وإن ورد فيهم لفظ الشّهادة‏.‏

ج - تغسيل من لا يدرى حاله‏:‏

22 - لو وجد ميّت أو قتيل في دار الإسلام‏.‏ وكان عليه سيما المسلمين من الختان والثّياب والخضاب وحلق العانة، فإنّه يجب غسله عند جمهور الفقهاء، سواء أوجد في دار الإسلام أم دار الحرب‏.‏ وأمّا إذا لم يكن عليه ذلك فالصّحيح عندهم‏:‏ أنّه إن وجد في دار الإسلام يغسّل، وإن وجد في دار الحرب لا يغسّل، ولأنّ الأصل أنّ من كان في دار فهو من أهلها، يثبت له حكمهم، ما لم يقم على خلافه دليل‏.‏

وصرّح ابن القاسم من المالكيّة بأنّ الميّت إن وجد بفلاة، لا يدرى أمسلم هو أم كافر‏؟‏ فلا يغسّل‏.‏ وكذلك لو وجد في مدينة من المدائن في زقاق، ولا يدرى حاله أمسلم أم كافر‏؟‏ قال ابن رشد‏:‏ وإن كان مختونا فكذلك، لأنّ اليهود يختتنون، وقال ابن حبيب‏:‏ ومن النّصارى أيضا من يختتن‏.‏

د - تغسيل موتى المسلمين عند اختلاطهم بالكفّار‏:‏

23 - لو اختلط موتى المسلمين بموتى المشركين ولم يميّزوا، فلا خلاف بين جمهور الفقهاء في أنّهم يغسّلون جميعا، سواء أكان المسلمون أكثر أم أقلّ‏.‏ أو كانوا على السّواء، وهذا لأنّ غسل المسلم واجب، وغسل الكافر جائز في الجملة، فيؤتى بالجائز في الجملة لتحصيل الواجب‏.‏

هـ - تغسيل البغاة وقطّاع الطّريق‏:‏

24 - ذهب الحنفيّة إلى أنّه لا يغسّل البغاة إذا قتلوا في الحرب، إهانة لهم وزجرا لغيرهم عن فعلهم‏.‏ وأمّا إذا قتلوا بعد ثبوت يد الإمام عليهم فإنّهم يغسّلون‏.‏ وفي رواية عن الحنفيّة، وهو ما ذهب إليه المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة أنّهم يغسّلون‏.‏ ولتفصيل ذلك يرجع إلى مصطلح‏:‏ ‏(‏بغاة‏)‏‏.‏ ولم يفرّق الحنفيّة بين البغاة وقطّاع الطّريق في عدم التّغسيل‏.‏

و - تغسيل الجنين إذا استهلّ‏:‏

25 - إذا خرج المولود حيّا، أو حصل منه ما يدلّ على حياته من بكاء أو تحريك عضو أو طرف أو غير ذلك، فإنّه يغسّل بالإجماع، قال ابن المنذر‏:‏ أجمع أهل العلم على أنّ الطّفل إذا عرفت حياته واستهلّ، يغسّل ويصلّى عليه‏.‏

كما أنّه يرى جمهور الفقهاء عدم تغسيل من لم يأت له أربعة أشهر ولم يتبيّن خلقه، إلا ما روي عن ابن سيرين‏.‏ وما ورد من الغسل في بعض كتب الحنفيّة، فالمراد هو الغسل في الجملة كصبّ الماء عليه، من غير وضوء ولا ترتيب‏.‏

واختلفوا في الطّفل الّذي ولد لأربعة أشهر أو أكثر، فالأصحّ عند الحنفيّة، وهو المذهب للشّافعيّة والحنابلة أنّه يغسّل‏.‏ وذهب الحنفيّة في رواية، والمالكيّة، وهو قول للشّافعيّة إلى أنّه لا يغسّل، بل يغسل دمه، ويلفّ في خرقة ويدفن‏.‏

ز - تغسيل جزء من بدن الميّت‏:‏

26 - إذا بان من الميّت شيء غسّل وحمل معه في أكفانه بلا خلاف‏.‏

وأمّا تغسيل بعض الميّت، فذهب الحنفيّة والمالكيّة إلى أنّه إن وجد الأكثر غسّل، وإلا فلا‏.‏

وذهب الشّافعيّة، وهو المذهب عند الحنابلة إلى أنّه يغسّل سواء في ذلك أكثر البدن وأقلّه لما روي أنّ طائراً ألقى يداً بمكّة زمن وقعة الجمل، وكانت يد عبد الرّحمن بن عتّاب بن أسيد، فغسّلها أهل مكّة، وصلّوا عليها‏.‏

أخذ الأجرة على تغسيل الميّت

27 - ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ أخذ الأجرة على تغسيل الميّت جائز، وأنّه يؤخذ من تركة الميّت، كالتّجهيز والتّلقين‏.‏ وصرّح الحنفيّة بأنّ الأفضل أن يغسّل الميّت مجّاناً، فإن ابتغى الغاسل الأجر جاز إن كان ثمّة غيره، وإلا فلا، لتعيّنه عليه، لأنّه صار واجباً عليه عينا، ولا يجوز أخذ الأجرة على الطّاعة‏.‏ وذهب البعض إلى الجواز‏.‏

دفن الميّت من غير غسل

28 - لو دفن الميّت بغير غسل، ولم يهل عليه التّراب، فلا خلاف أنّه يخرج ويغسّل‏.‏ وأمّا بعده، فذهب الحنفيّة، وهو قول للشّافعيّة إلى أنّه لا ينبش لأجل تغسيله لأنّ النّبش مثلة، وقد نهي عنها، ولما فيه من الهتك‏.‏

ويرى المالكيّة، وهو الصّحيح لدى الشّافعيّة والحنابلة أنّه ينبش ويغسّل ما لم يتغيّر، ويخاف عليه أن يتفسّخ، وإليه ذهب أبو ثور‏.‏

وفي الموضوع تفصيل يرجع إليه إلى مصطلح ‏(‏نبش‏)‏‏.‏

ما يترتّب على تغسيل الميّت

29 - ذهب الحنفيّة، وهو قول لمالك، والشّافعيّة في الصّحيح عندهم، والحنابلة إلى أنّه يستحبّ لغاسل الميّت أن يغتسل‏.‏ لحديث رواه التّرمذيّ وذكر أيضاً في الموطّأ وهو «من غسّل ميّتا فليغتسل»‏.‏ وفي قول لمالك، وهو قول جمهور فقهاء المالكيّة - ما عدا ابن القاسم - أنّه لا غسل على غاسل الميّت، لأنّ تغسيل الميّت ليس بحدث‏.‏

وروي عن أحمد وجوب الغسل على من غسّل الكافر خاصّة، لأنّ «النّبيّ صلى الله عليه وسلم أمر عليّا رضي الله عنه أن يغتسل، لمّا غسّل أباه»‏.‏

وللتّفصيل يرجع إلى مصطلح ‏(‏غسل‏)‏‏.‏